رمز الخبر: 42
سلسلة أبحاث ينشرها مركز وثائق الثورة الإسلامية...
ان ما تمت البرهنة عليه في فترة الحرب المفروضة طوال السنوات الثمانية هو إمكانية الحصول على كل ما نحتاجه بالاستفادة من المقدرة الداخلية والمصادر المتوفرة بأيدينا، ان هذه التجربة في نهاية الحرب جاءت في النقيض من الرؤية التي تعتبر العلاقة بالغرب أساسا وقاعدة للتطور وتحاول بان تتجاهل القوة الداخلية لتظهر بان تطور البلاد يتوقف على بناء العلاقة بالقوى الأجنبية العظمى. ان المقال هذا يريد ان يبحث عن أهمية رؤية الاعتماد على المقدرة الداخلية في المقابل من رؤية الاعتماد على الغرب، من خلال الإتيان بعدة أدلة من نهاية الحرب المفروضة.
2015 October 13 - 15:05 : تأريخ النشر

الموقع الإعلامي لمركز وثائق الثورة الإسلامية؛ من الإنجازات التي حققتها بلادنا طوال السنوات الثمانية للدفاع المقدس هي البرهنة على أهمية الاكتفاء الذاتي وكانت نتيجة الاعتماد على المقدرة الداخلية في فترة الحرب. ان ما تمت البرهنة عليه في فترة الحرب المفروضة طوال السنوات الثمانية هو إمكانية الحصول على كل ما نحتاجه بالاستفادة من المقدرة الداخلية والمصادر المتوفرة بأيدينا، ان هذه التجربة في نهاية الحرب جاءت في النقيض من الرؤية التي تعتبر العلاقة بالغرب أساسا وقاعدة للتطور وتحاول بان تتجاهل القوة الداخلية لتظهر بان تطور البلاد يتوقف على بناء العلاقة بالقوى الأجنبية العظمى. ان المقال هذا يريد ان يبحث عن أهمية رؤية الاعتماد على المقدرة الداخلية في المقابل من رؤية الاعتماد على الغرب، من خلال الإتيان بعدة أدلة من نهاية الحرب المفروضة.

عندما شنت العراق الهجوم العسكري على إيران نهاية صيف 1980 كان يعيش البلدان وضعا مختلفا، فمن جهة كان إيران الذي يرى نفسه متخلصا من مخالب الاستكبار الداخلي والاستعمار الخارجي بعد سقوط الشاه، لم يكن على علاقة بالقوى العظمى العالمية لكن العراق كان يعتمد على أمريكا ومساعدات الغرب في مجال المعدات الحربية، وبدا الحرب على إيران.

في بداية الحرب واجهت القوة الدفاعية الإيرانية عراقيل حقيقية، إذ كان يرى صدام بان إيران لا تمتلك القوة الدفاعية القوية ووعد بان يحتل طهران بمساعدة الغرب، بينما كانت إيران محرومة من الدعم الأجنبي ورفعت شعار "يجب ان يلبي الإيراني حاجة الإيرانيين" وتحولت من الحالة المثالية إلى الواقع، وأثبتت بانه يمكن الاعتماد على الذات وبناء دولة مستقلة.

ورد في ذكريات الجنرال سيد رحيم صفوي عبارات تدل على عدم تناسق الجيش في بداية الحرب:" ان الحرب بدأت في ظل ظروف لم يكن هناك أي استعداد عسكري في القوات العسكرية، لم تصل أي إمكانات إلى الجبهات في الأيام والشهور الأولية للحرب، وكان الدعم اللوجستي ضعيفا جدا". ويقول محسن رضائي: ان عدد جنودنا كان يعادل دبابات العراق، كان لدينا مقر واحد ولم يعرف أحد عنه إلا الإمام قدس سره وعدد آخرين، ان فيلق 27 محمد رسول الله كان يهاجم من هذا المقر على العدو ويقضي عليه.

كما يظهر من ذكريات الجنرال صفوي كانت حتى القوات الإيرانية بداية الحرب لم تتمتع بالتعليم الكافية في مجال الاستفادة من المعدات العسكرية، على هذا أصبح تعليم القوات على رأس الأجندة في بداية الأمر، وأرسلت القوات التي تلقت التدريبات إلى الحرب، استنادا إلى تلك الذكريات وعندما عرفت القوات الإيرانية ميادين القنابل العراقية، قررت حفر الخندق نحو العراقيين، كان طوله يبلغ كيلومترين وبسبب غياب الإمكانات الكافية بدأت العمل بالحفر برأس الرمح، فضلا عن هذا كانت تواجه إيران بداية الحرب في جانب العتاد الصلب والأسلحة الحربية عراقيل كثيرة، إذ لم تكن قادرة على توفير الأسلاك الشائكة في الجبهات.

وفقا لذكريات الجنرال لطفي ونظرا إلى قلة الإمكانات كان يتم نقل القوات إلى جبهات الحرب من خلال السيارات الشعبية وكانت تفتقد القوات الإيرانية حتى الأجهزة الثقيلة في المجال الهندسية-العسكرية.

الاكتفاء الذاتي في فترة السنوات الثمانية للدفاع المقدس

بما ان إيران في فترة الحرب لم تكن قادرة على شراء الأسلحة، على هذا أصبحت من مهامها الرئيسية الحصول على معلومات لإنتاج وصنع الأسلحة. وردت في ذكريات سيد رضا مير محمد صادقي في هذا المجال " في تلك الفترة سافرت إلى الكثير من الدول ومنها البرازيل، تعرفت إلى الدكتور بول في إحدى الرحلات، انه كان أمريكيا يقيم في بلجيكا ويمتلك معلومات حول صنع الصواريخ، انه كان يعيش في بلجيكا بسبب اختلافه مع الإدارة الأمريكية. بعدما حصل مير محمد صادقي على المعلومات حول بول استطاع ان يوجه له الدعوة للحضور إلى إيران.

وفقا لذكريات مير محمد صادقي، بعد دخول بول إيران "اجتمع ما يقارب 100 شخص في قاعة المنظمة للاستماع إلى محاضرة بول، بعد ذلك الاجتماع أقيم اجتماع آخر حضره بول وقال انني مستعد لصنع صاروخ لكم مقابل استلام 6 ملايين دولار. لكن نظرا إلى قلة الموارد في فترة الحرب، انتهت تلك القضية. على هذا تمت الاستفادة من قدرة الخبراء الإيرانيين ونظرا إلى ما قدمه الدكتور بول خلال الاجتماعين استطاع الخبراء الإيرانيون صنع الصاروخ ورجع بول إلى بلجيكا.

على هذا في الحرب وبمجرد ان تغلق أبواب الأسلحة والمعدات الحربية بوجه إيران، كان يعتمد إيران على قدرة خبراءه. فيمكن القول بان التطورات التي ظهرت في يومنا هذا في الصناعات العسكرية، تعد نتيجة الاعتماد على المقدرة الداخلية في فترة الحرب، وقبل هذا لم يكن إيران بقادر على صنع أي أسلحة حتى الخفيفة منها، لكن في يومنا هذا تصنع إيران الأسلحة المعقدة. بالتأكيد حققنا هذا التطور بفضل قطع علاقتنا مع الغرب. على هذا يمكن القول بان من نتائج الدفاع المقدس المهمة هو تقوية الاكتفاء الذاتي والاعتماد على المقدرة الداخلية.

 في الجانب الإنساني كانت مقاربة الإمام الخميني قدس سره والقوات الثورية المسلمة تتجلى في الاستفادة من القوات الشعبية على غرار الكثير من المجالات الاجتماعية السياسية، لكن بني صدر كان يسخر من نظريات الثوريين حول الاستفادة من القوات الشعبية ونظرية الدفاع والمقاومة، مع هذا فان حضور القوات الشعبية التي دخلت بأمر من الإمام الخميني ساحة الحرب، حالت دون تقدم الجيش العراقي البعثي، في إيران، على هذا كان التأكيد على معرفة المقدرة الداخلية والاستفادة من إمكانية القوات الشعبية وكذلك عدم الاعتماد على المنظمات الدولية والقوات الشعبية، محل اهتمام الإمام الخميني قدس سره.

أما في الجانب الاقتصادي ومع ان صدام استلم ما يزيد على 60 مليار دولار من الأنظمة الغربية، وكان يوفر الحاجات المالية الاقتصادية لبلده، لكن استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال المساعدات الشعبية ان توفر المصدر المالي الإعدادي القوي لحرب طويلة الأمد. في تلك الفترة كانت تشكل ميزانية العراق الدفاعية ثلث ميزانية البلاد كلها، لكن الميزانية الدفاعية الإيرانية كانت تشكل نسبة واحد من اثني عشر من ميزانية البلاد، من جهة أخرى ان العقوبات التي أعاقت طريق الجمهورية الإسلامية كانت تجرها نحو الانزواء، لكن مع تلك الظروف فان الضغوط انتهت لصالح إيران.

لم يأت كلام الإمام الخميني من الفراغ إذ قال ان الحرب والعقوبات الاقتصادية وطرد الخبراء الأجانب كانت هدية إلهية كنا غافلين عنها. كما ورد في وصيته: لا تتوقعوا بان يساعدكم من الخارج أحد ما في تحقيق أهدافكم وهو الإسلام وتنفيذ الأحكام الإسلامية، عليكم القيام بهذا الأمر المصيري الذي يحقق الحرية والاستقلال لكم". ان الواضح في نظرة الإمام هو تفوق النموذج الإسلامي مقابل النموذج الرأسمالي.

علينا ان نشير إلى ان نموذج النظام الإسلامي والأنظمة الرأسمالية يختلفان معا تمام الاختلاف، في الأنظمة المادية يتم الاعتماد على أسس القوة المادية لكن في النموذج الإسلامي والروحي ان تلك القوة تعتمد في المقام الأول على العنصر المعنوي والإلهي وفي المقام الثاني على المقدرة الداخلية للبلاد، ان ما ظهر في فترة الدفاع المقدس، يدل بوضوح على أهمية الاعتماد على المقدرة الداخلية الإيرانية.

أرسل إلى صديق
ترك تعليق