رمز الخبر: 43
سلسلة أبحاث ينشرها مركز وثائق الثورة الإسلامية...
إذا ما تصفحنا التاريخ أمكننا القول بان بنية مماثلة لمجلس خبراء الدستور ظهرت في فترة الثورة الدستورية في نظريات الشيخ فضل الله نوري. بنية كانت معروفة في تلك الفترة بقاعدة المعيار وكانت معروفة عند الفقهاء وعلماء الدين تحت عنوان "الإشراف". على هذا الأساس فان العلماء ورجال الدين ومن خلال الحديث عن نظريات حديثة منبثقة من الفقه السياسي الشيعي، قاموا بمواجهة المطالبين بالدستورية أصحاب النزعة الغربية. بعبارة أخرى عندما اعتبر أصحاب النظرة الغربية ان الاعتصام في السفارة البريطانية طريق للوصول إلى الدستورية، طرح الشيخ فضل الله نوري نظرية المشروطة المشروعة مطالبا بإشراف العلماء على الدستور والبرلمان.
2015 October 05 - 08:12 : تأريخ النشر

الموقع الإعلامي لمركز وثائق الثورة الإسلامية؛ إذا ما تصفحنا التاريخ أمكننا القول بان بنية مماثلة لمجلس خبراء الدستور ظهرت في فترة الثورة الدستورية في نظريات الشيخ فضل الله النوري. بنية كانت معروفة في تلك الفترة بقاعدة المعيار وكانت معرفة للفقهاء وعلماء الدين تحت عنوان "الإشراف".

على هذا الأساس فان العلماء ورجال الدين ومن خلال طرح نظريات حديثة منبثقة عن الفقه السياسي الشيعي، قاموا بمواجهة المطالبين بالدستورية أصحاب النزعة الغربية. بعبارة أخرى عندما اعتبر أصحاب النظرة الغربية ان الاعتصام في السفارة البريطانية طريق للوصول إلى الدستورية، طرح الشيخ فضل الله النوري نظرية المشروطة المشروعة باحثا عن تطبيق القوانين مع الشرع الإسلامي المقدس، ومحاولا الحؤول دون أفول القيم الإسلامية، ان اول مطالبه وأكثرها صراحة هو إشراف العلماء على الدستور والبرلمان، ان هذا العالم الواعي قد عرف بوعي بان إشراف العلماء على شرعية قرارات المجلس وإسلاميتها هو الخيار الأفضل للحؤول دون تغلغل العلمانية.

مساعي بريطانيا لحذف الإسلام في الثورة الدستورية

ما أدى في بداية حركة الثورة الدستورية، إلى انحراف الحركة هو اعتصام أصحاب النزعة الغربية في السفارة البريطانية. هذا وان العلماء كانوا بداية معتصمين في حرم السيد عبد العظيم عليه السلام، وثم في حرم السيد معصومة سلام الله عليها، وطالبوا بإنشاء العدلية. في حركة العدلية لم يذكر اسم الدستورية أبدا بداية الأمر وظهرت الكلمة منذ الاعتصام في السفارة البريطانية في صفوف المناضلين، وبعبارة أخرى ان الثورة الدستورية خرجت من السفارة البريطانية.

في ظل تلك الظروف كانت مساعي بريطانيا لتأجيج الأجواء وتحريف الحركة واضحة المعالم، وعرف الشيخ فضل الله نوري بان السفارة البريطانية تبحث عن تضعيف الإسلام، على هذا كتب في كتاب تذكرة الغافل وإرشاد الجاهل في هذا المجال: "لو كان القصد هو تقوية الإسلام لم تكن بريطانيا تدعمه، ولو كان القصد هو العمل بالقرآن، لم يخدعوا العامة ويأخذوا بهم إلى الكفر، لو كان الهدف حفظ الشرع، لم يكونوا ليقولوا بان الدستورية هي غايتنا ولا نريد ان يكتب إلى جانبها المشروعة".

مع انه في بداية نهضة المطالبة بالعدالة كانت الأهداف التي أعلنها القادة الدينيين للنهضة، تحمل طابعا إسلاميا، لكن كلما كانت النهضة تقترب من تحقيق أهدافها الأولية، كلما كان الاستعمار الأجنبي يرى مصالحه معرضة للخطر، وقام بتحريف الحركة عن مسارها بحياكة المؤامرات وممارسة الخدع. على كل فان تلك التيارات انتهت إلى توقيع الدستورية على يد مظفر الدين شاه، وتعرضت الساحة السياسية للبلاد للتغيير. على هذا حاول المثقفون الغربيون فصل الحركة عن الإسلام بمساعدة الاستعمار الأجنبي.

مساعي الشيخ فضل الله لإشراف العلماء على البرلمان

بعد التوقيع على الدستورية وتأسيس البرلمان وطرح كتابة الدستور، وبينما كانت الظروف السياسية في البلاد تتجه نحو العلمنة، طالب الشيخ فضل الله نوري وبعد الاعتصام في حرم عبد العظيم عليه السلام ومن خلال طرح نظرية الدستورية المشروعة بإشراف العلماء على قوانين البرلمان، ان جل نظرياته كانت في النقيض من المطالبة الدستورية العلمانية. في الواقع كان الشيخ فضل الله يؤكد على أهمية حضور العلماء بغية الإشراف على البرلمان على هذا يمكن اعتبار نظرياته منطبقة على نظرية مجلس الخبراء والإشراف الاستصوابي.

كان يؤكد الشيخ فضل الله نوري في فترة الدستورية بانه يجب ان يشرف العلماء على قوانين البرلمان، كي يعد بالإمكان تحديد القوانين الإسلامية أو المعارضة مع الإسلامية، وجعل الدستورية مشروعة. ان الشيخ في اللوائح التي نشرها عند الاعتصام في حرم عبد العظيم عليه السلام حذر من خطورة ما يقوم به العلمانيون وطالب بإشراف العلماء على البرلمان بغية تطبيق القوانين مع الشرع، وعبر عن مطالب المعتصمين في الحرم بهذه العبارات: أولا يجب كتابة المشروعة في النظام الأساسي للمجلس بعد المشروطة، وثانيا يجب إضافة فصل حول احترام موافقة قوانين البرلمان مع الشرع المقدس وإشراف لجنة من المجتهدين في كل عصر على البرلمان كما أوردنا على فصول النظام الأساسي، وان لا يحق للمجلس التدخل في تحديد لجنة المجتهدين.

طوال فترة الاعتصام في الحرم أعاد الشيخ مطالبه بإشراف العلماء على البرلمان عدة مرات. ورد في لائحة أخرى مطالب المعتصمين وهي: يجب تشريع لائحة إشراف العلماء المدونة، وان يكون تحديد لجنة الإشراف في كل العصور بحوزة العلماء سواء قاموا به مباشرة أو تم ذلك بالقرعة.

في جزء آخر من اللوائح تمت الإشارة إلى ان مجلس الشورى الإسلامي يجب ان يختلف مع المجالس الغربية وتم الاحتجاج على اخذ القوانين من الغرب، وورد حول إشراف العلماء على المجلس والقوانين: في يومنا هذا إذ تم الاخذ بفكرة إنشاء البرلمان من الغرب، وبما انه تم هذا العمل؛ على العلماء الذين من واجبهم الحفاظ على معتقدات الشعب عند الله وعند رسوله، ان يبدوا رأيهم حول الموضوعات والقوانين حتى لا يتم المصادقة على قضية تخالف الإسلام ولا يقع الشعب على غرار الغربيين في اللا دينية والفحشاء والمنكر ويبتعدون عن الإلهيات والديانة.

وفي نهاية المطاف أدت مساعي شيخ فضل الله إلى تأييد علماء النجف مطالب المعتصمين وكذلك الإتيان بالإشراف الاستصوابي للعلماء على قرارات البرلمان في الأصل الثاني من ملحق الدستور. جاء في جزء من هذا الأصل: لا يجب ان تكون بنود من القانون في كل العصور معارضة مع قواعد الإسلام المقدسة، ومن الواضح ان تحديد معارضة القوانين مع القواعد الإسلامية يقع على عاتق العلماء الإعلام وعلى هذا نقرر رسميا بانه في كل عصر من العصور يجب ان تقدم لجنة مكونة من خمسة أشخاص على الأقل من المجتهدين والفقهاء المتدينين عارفين بمتطلبات الزمن إلى مجلس الشورى الوطني كي يقوموا بدراسة البنود المقدمة إلى المجلس، بإمعان وان يرفضوا تلك التي تعارض القواعد المقدسة للإسلام وان رأي لجنة العلماء مطاع ومتبع. فكما هو واضح ووفقا للأصل فان أصل معيار إشراف العلماء هو الاساس ويجب ان يقبل الجميع بأمر العلماء حول الإشراف على القوانين وقرارات المجلس.

نفوذ الاستعمار في الدستورية على إثر حذف قاعدة المعيار

بينما كان المطالبون بالدستورية قد فصلوا طريقهم من الإسلام والشريعة واتخذوا الطرق الضلالة ولم يبدوا اهتماما بتوجيهات الشيخ فضل الله، استغل محمد علي شاه الفرصة وقام باستهداف البرلمان الأول بالدبابات في فترة الاستبداد الصغير وعلى هذا وبسبب عدم تأييد المطالبين بالدستورية للشيخ ومعارضتهم مع المشروطة المشروعة انتهت فترة الاستبداد الصغير. ان الشيخ استمر في فترة الاستبداد الصغير بنشر أفكاره، وزادت حدة العداء مع الشيخ فضل الله بحيث قاموا بإعدامه شنقا بعد فتح طهران.

ان إعدام الشيخ فضل الله الذي كان يعتقد بتطبيق قوانين المجلس مع الشرع الإسلامي المقدس، وإشراف العلماء على قضايا المجلس وجه ضربة قاضية إلى حركة الدستورية وفتح بهذا العمل طريق نفوذ الاستعمار واهتزت أسس المطالبة بالدستورية بعد ظهور استبداد رضا خان، وأصبح البرلمان آلية بيد الاستبداد.


أرسل إلى صديق
ترك تعليق