رمز الخبر: 51
سلسلة أبحاث ينشرها مركز وثائق الثورة الإسلامية...
في مواجهة عملية النفوذ الأمريكي وطوال تاريخ نفوذ المستعمرين الأوروبيين، لم يقف المجتمع الإيراني مكتوف الأيدي، بل وفي بعض الأحيان وقف بذكاء في مواجهة تلك المؤامرات. ان حركة الإمام الخميني قدس سره، احتجاجا على قانون الحصانة القضائية ولائحة المجالس المحلية تعد نموذجا للكثير من تلك النهضات. لو كان قانون الحصانة القضائية المقدمة على يد الأمريكيين مؤشرا للنفوذ السياسي وكانت لائحة المجالس المحلية حركة كبيرة للهيمنة على الثقافة الإيرانية، فان حركة الإمام قدس سره تعتبر مؤشرا كاملا لشهامة المجتمع الإيراني في مواجهة عملية النفوذ الأمريكي.
2015 October 14 - 12:12 : تأريخ النشر

الموقع الإعلامي لمركز وثائق الثورة الإسلامية؛ ان النظرة التشاؤمية لممارسات أمريكا نظرا إلى مساعيهم للنفوذ في إيران لها تاريخ طويل وجوانب عديدة، ان النفوذ في بنية الحكومة وعليها التأثير على السياسة الداخلية والخارجية للدول، يعتبر من آليات المستعمرين المأخوذة من ثقافة التغطرس والهيمنة. ان هذا الأسلوب يظهر بوضوح في منطق المستعمرين البرتغاليين والبريطانيين ومعاهدة تركمان جاي الروسية المذلة. لكن قصة هيمنة أمريكا واستعمارها الحديث، تمثل قصة مختلفة لها علاقة خاصة بكيفية دخولهم في بلادنا.
دخل الأمريكيين إيران إذ كانوا يحملون شعار مساواة الدول واحترام القوانين الدولية، انهم كانوا يظهرون بأنهم يقضون على فترة الاستعمار ويحملون مبادئ حديثة وإنسانية، لكن خلافا لشعاراتهم قاموا بإحياء القواعد الاستعمارية في إطار آخر، واظهروا جوانب أخرى من الغطرسة والهيمنة، لو كان قبل النفوذ الأمريكي يريد المستعمرون السلطة العسكرية والنفوذ الأمني، فان الأمريكيين وبذكاء تام قاموا بالنفوذ الثقافي والغزو الثقافي معا، وقدموا من هيمنتهم مرحلة أخرى.
ان عملية الهيمنة الأمريكية في إيران كانت خطة مستمرة بدأت منذ لحظة دخولهم إيران. بعد الحرب الكوني الثاني فان ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقوى عظمى، زاد من رغبتهم في التوسعية، واعتبروا الشرق الأوسط جزءا من باحتهم الخلفية. بعد دخول الأمريكيين في إيران منح رئيس الوزراء آنذاك قوام السلطنة امتيازات قضائية وأمنية لهم. وان اول مجموعة من القوات العسكرية الأمريكية دخلت إيران تحت عنوان "البعثة العسكرية" في آذر عام 1321 بالتزامن مع تولي قوام السلطنة رئاسة الوزراء وكانت تتمتع بالحصانة القضائية. في عهد حكومة سهيلي تم التوقيع على معاهدات أخرى في مجال استخدام المستشارين الأمريكيين وبذريعة إصلاح النظام الإداري للجيش، كانت تحمل كل منها امتيازات خاصة للعسكريين الأمريكيين. لكن ذروة تلك العملية تجلت في عهد رئاسة حسن علي منصور وأسد الله علم رئاسة الوزراء، وان هذه الفترة هي التي تحولت إلى مؤشر في تاريخ النفوذ الأمريكي.
ان مساعي أمريكا للمصادقة على لائحة المجالس المحلية تمثل نموذجا لعملية النفوذ الأمريكي، ان واشنطن ومن خلال المصادقة على تلك اللائحة كانت تريد ان تنفذ قانون الحصانة القضائية الأمريكية كمؤشر للنفوذ السياسي والعسكري والأمني. بعبارة أخرى فان قانون الحصانة القضائية الأمريكية كان مؤشر لمساعي أمريكا للنفوذ السياسي والأمني في إيران. سياسة كانت تمثل إستراتيجية المستعمرين الأوروبيين، وظهرت في عهد رضا خان في إطار تأهيل الدكتاتورية العسكرية التابعة والعميلة. ان الحكام الأمريكيين وبذكاء ادخلوا تلك الإستراتيجية مرحلة حديثة لتتقدم على سابقتها.
في مواجهة عملية النفوذ الأمريكي وطوال تاريخ نفوذ المستعمرين الأوروبيين، لم يقف المجتمع الإيراني مكتوف الأيدي، بل وفي بعض الأحيان وقف بذكاء في مواجهة تلك المؤامرات. ان حركة الإمام الخميني قدس سره، احتجاجا على قانون الحصانة القضائية ولائحة المجالس المحلية تعد نموذجا للكثير من تلك النهضات. لو كان قانون الحصانة القضائية المقدمة على يد الأمريكيين مؤشرا للنفوذ السياسي وكانت لائحة المجالس المحلية حركة كبيرة للهيمنة على الثقافة الإيرانية، فان حركة الإمام قدس سره تعتبر مؤشرا كاملا لشهامة المجتمع الإيراني في مواجهة عملية النفوذ الأمريكي.
بعد انتصار الثورة الإسلامية، بذل الغرب بقيادة أمريكا كل مساعيه حتى ينفذ خططه من خلال نفوذه في إيران، كانت تسير تلك العمليات بشدة وببطء، لكنها لم تتوقف بأي حال من الأحوال. ان المساعي للنفوذ في إيران مستمرة إلى يومنا هذا، ذلك ان ذات الرأسمالية والصهيونية لا يتحمل الوجود العسكري الذي يتحداهما. على هذا الأساس ان النفوذ في الجمهورية الإسلامية يأتي على رأس خطط أمريكا والداعمين لها، ويستمر على نطاق واسع. هذا وان الجمهورية الإسلامية والى جانب دول كتركيا ومصر وتايلاند كانت من اول الدول التي قامت بمواجهة هذا الطلب الاستعماري.
نشاهد نموذجا من قانون الحصانة القضائية الأمريكي الحديث في أفغانستان، ان المعاهدة العسكرية (الأمنية) أمريكية مع أفغانستان التي تكمل معاهدة أمريكا وأفغانستان الإستراتيجية تحمل جوانب متعددة والمؤشر الأبرز هو إنشاء القواعد العسكرية الدائمة في الشرق والمركز والجنوب وقد يكون في شمال أفغانستان. وعند انتهاء من الاتفاقية العسكرية ان أتباع أمريكا العسكريين وعل إثرها كل العسكريين في هذا البلد بأي جنسية التي تتعاون مع هذا البلد، يتمتعون بقانون الحصانة القضائية.
إذا كانت الدعاية تتجه نحو القول بان قانون الحصانة القضائية يعود إلى عهد الاستعمار، ولا وجود له في عهد استقلال الحكومة-الدول الحالية، لكن وفقا لقانون مجلس الشيوخ الأمريكي فان تواجد أمريكا بأي دول يعني وجوب محاكمة قواتها في ذلك البلد.
ان أمريكا كانت قد طالبت بالطلب الاستعماري لقواتها في العراق، لكن ذكاء علماء العراق حال دون تحقيق هذا الطلب الاستعماري. ان رئيس وزراء العراق نوري المالكي قال ردا على طلب أمريكا بانه لا يقبل أي حال بانتهاك كرامة الشعب العراقي ويرى بان حصانة القوات الأمريكية تشجعهم على القيام بمثل تلك الجرائم ويجب إعادة النظر في تلك الحصانة.
فضلا عن أفغانستان والعراق تطالب أمريكا بالحصانة لقواتها في باكستان، إذ عارضت باكستان طلب حق الحصانة القضائية. مع ان هناك حق الحصانة القضائية غير مدون وتفرضها أمريكا بشكل أحادي جانب في باكستان.
ان جذور قانون الحصانة القضائية يضرب بجذوره في ثقافة الغطرسة والهيمنة الأمريكية. ان شعار القبول بكل الجنسيات أو النظرة الدولية واحترام القوميات والمذاهب والابتعاد عن العنصرية ما هي إلا شعارات خادعة يطلقها حكام أمريكا، لكنها حولت العالم بشعار دعم حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب؛ إلى منطقة عسكرية ومكان لبيع الأسلحة العسكرية. ان أمريكا ظهرت بعد أفول قوات أوروبا الاستعمارية بعد الحربين العالميين، تحولت إلى قوة عظمى، وحلت محلهما. مع ان أسلوب الهيمنة الأمريكية يختلف مع نظيره الأوروبي، لكن الإستراتيجية واحدة لا تختلف.
ان المساعي للنفوذ الغربي والأمريكي في إيران كانت دائما تمثل إحدى هواجس سماحة قائد الثورة الإسلامية. وان تلك الهواجس ظهرت بعد المفاوضات النووية ومن خلال بعض الأعمال التي قامت بها أمريكا، وزادت أهمية يوما بعد يوم. واعتبرها قائد الثورة غزوا ثقافيا وعسكريا لمواجهة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبهذه النظرة أشار سماحته بعد رسم الخطوط الحمر في القضية النووية وعدم إمكانية الثقة بأمريكا في خطاب له في 15 مهر حول منع المفاوضات مع أمريكا –ما عدى القضية النووية- وقال: ان المفاوضات مع أمريكا تعني فتح الطريق حتى يتمكنوا من النفوذ في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية... ان العدو يحاول النفوذ الثقافي وان يغير المعتقدات التي جعلت المجتمع حيا ويشكك فيها ويتغلغل فيها... يحاولون بغية النفوذ السياسي بان يتغلغلوا في مراكز اتخاذ القرار وإذا لم ينجحوا في هذا، فيريدوا التغلغل في مراكز صنع القرار.


أرسل إلى صديق
ترك تعليق