دور الناس في منهجة الثورة الإسلامية
موقع مركز وثائق الثورة الإسلامية-ان الثورة وبغية تحقيقها النجاح سواء في مرحلة النضال مع النظام السابق ومقارعته، أو في مرحلة تأسيس النظام السياسي الجديد أو بذل المساعي لتحقيق الأهداف في مرحلة ما بعد انتصار الثورة، بحاجة إلى دور الناس المباشر والمشاركة الشعبية.
فدور الناس سواء العامة منهم أو النخبة والخواص بمختلف المعتقدات التوجهات الثورية، سواء في مرحلة محاربة النظام السابق، يعدّ دوراً مؤثراً لا بديل له، ويمكن القول جازمين، بان هذا الدور يشكل إحدى العناصر الأربعة الجوهرية التي تلعب دورها في انتصار الثورة-أي نشر القيم الجديدة وإحلالها محل القديمة و دور القيادة والوحدات التابعة له ودور عامة الناس ودور توسيع رقعة الأفكار الثورية-.
ان الثورة لا تنتهي بمجرد ان تنتصر بل بعد تحقيقها الانتصار تأتي المساعي لبناء النظام الجديد و خلق النظام السياسي والثقافي والاجتماعي و الاقتصادي الجديد، في هذه المرحلة يرتبط تطور الثورة بدور الناس عامة والخواص ارتباطاً مباشراً، و كلما كان هذا الدور أكثر بروزاً وكلما كانت المشاركة الشعبية أقوى وأكثر اتحاداً وتمتعاً بالمعتقدات الأصيلة والمؤسسة على الثقافة العامة والقيادة الحكيمة والقادرة، تزداد نسبة النجاح وسرعتها في تأسيس النظام السياسي الجديد.
في هذا المجال يمكن القول بان كل الثورات لا تحقق النجاح ما لم تؤسس النظام الجديد، إذ و بعد انتصار الثورة يبحث البعض عن إثارة الفوضى والإخلال بالأمن وقد يلجأ منهم إلى العنف الطويل الأمد، أو ومن دون الاهتمام بالمشاركة الشعبية، يقوم بتأسيس النظام السياسي الجديد، وتظهر نتائج هذه القضية في مسار التطورات اللاحقة.
على سبيل المثال فان فلاديمير لينين قائد ثورة أكتوبر عام 1917 الروسية وبعد تحقيق الانتصار على حكم أسرة رومانوف وإسقاط النظام الملكي وإمبراطورية روسيا، قام بغية تعيين مندوبين لكتابة الدستور الجديد وتأسيس النظام السياسي الجديد في روسيا، بالانتخابات العامة، غير ان أغلبية الأشخاص الذي وقع الاختيار عليهم، لم يكونوا من أنصار الماركسية، بل كانوا من الموالين للتيارات الأخرى وخاصة الاشتراكية الثورية، هؤلاء الأشخاص وبسبب ظهور القضية الاجتماعية التاريخية والفقر الشديد الذي كان يعاني منه الفلاحون الروس وهم أغلبية سكان البلاد، كانوا يعتقدون بتقسيم الأراضي بين الفلاحين، غير أنهم لم ينتموا إلى الماركسية، قام لينين بحل هذا المجلس على الفور، وترك أمر بناء النظام الجديد للحزب الجديد.
ان عدم تواجد الناس ومشاركتهم البارزة في بناء النظام الجديد الذي يمكن ان ينجم عن نوع الثورة أو توجهاتها الخارجية و كون النظام الذي يطمح إليه القائمون على الثورة غير مثالي، أو الاثنين معاً، يترك تأثيره على التطورات اللاحقة، قد يعرّض النظام السياسي الجديد إلى أنواع أشكال عدم الاستقرار المتتالية. على غرار الثورة الروسية التي وفي بداية الأمر بعد انهيار حكم أسرة رومانوف نتيجة الظروف المختلفة ومنها الإخفاق في الحرب الكونية الأولى، وتأثير هذه الهزيمة على التطورات الثورية في روسيا، شهد النظام حالات من عدم الاستقرار على الرغم من مشاركة الناس البارزة. كما تبنت الثورة الروسية بعد انتصارها توجه إزالة التوتر مع الغرب ما أدى إلى انهيار الكتلة الشرقية والمثال الآخر هو الثورة الفرنسية بعام 1789 التي واجهت سنوات من حالة عدم الاستقرار بعد انتصارها وفي نهاية المطاف باءت بالفشل.
تعدّ الثورة الإسلامية الإيرانية فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية نموذجاً فريداً بنوعه وهذه المشاركة الواسعة تشكل سمة بارزة في مختلف مراحلها، فالثورة الإسلامية و في مرحلة انتصارها ومن خلال قيادة الإمام رحمه الله الصارمة والحكيمة ومشاركة الناس الواسعة النطاق استطاعت ان تحول دون أي عمل مخل بالأمن يقوم به أتباع النظام السابق أو فلوله، وحققت الانتصار في 22 بهمن عام 1357.
ثم جاءت المساعي لتأسيس النظام الجديد أي النظام الديمقراطي الديني، في ظل هذه الظروف وبينما كانت الحكومة المؤقتة ورئيس وزراءها المهندس بازركان والتيارات غير الثورية، يطالبون الناس بالعودة إلى بيوتهم وتسليم الأمور إلى حكومة تكنوقراطية، وابتعاد الناس عن الساحة السياسية، استمرت مشاركة الناس البارزة في الساحات بحكمة الإمام رحمه الله وذكاءه وكذلك القوى الثورية، وهذه القضية انتهت إلى بذل مساعي ناجحة وعظمية وسريعة في بناء النظام الجديد أي نظام الجمهورية الإسلامية وهياكلها المختلفة ومنها المؤسسات الثورية التي تركت تأثيرها الكبير في مسار الثورة واستمرارها. في 12 فروردين عام 1358 صوت الناس لصالح تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية بنسبة بلغت ما يزيد على 98 بالمائة، في هذا الاستفتاء كان بإمكان المعارضين للثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية التصويت لصالح نظامهم المنشود، لكنهم كانوا قلة.
وهكذا استمر حضور الشعب في مختلف ساحات الثورة و سارت المنظومة الجديدة والثورية على طريق ترسيخ الثورة والسلطة والتطور المتزايد. ومن الأمثلة على هذا الحضور المشاركة في انتخابات مجلس خبراء الدستور و الاستفتاء على إقرار الدستور وانتخابات مختلفة - مثل مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى الإسلامي والانتخابات الرئاسية.
منذ ذلك الوقت ، استمر حضور الناس في ساحات الثورة حسب ظروف كل مرة و بأشكال مختلفة. ومن الأمثلة على ذلك: مشاركة الشعب العامة للدفاع والذود عن البلاد ضد عدوان صدام ، الذي دعمته جميع القوى في ذلك الوقت خلال حرب الثماني سنوات المفروضة ، ومحاربة الحركات المعادية للثورة على الحدود وفي الداخل في السنوات الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية ، و الحضور في المؤسسات الثورية مثل قوات التعبئة للمستضعفين ، و جهاد البناء ، والحرس الثوري الإسلامي و غيرها من الأمور ، وإحباط وإفشال المؤامرات والخطط والفتن المعارضة للثورة وداعميها الأجانب طيلة الـ 42 سنة الماضية ، مثل القضاء على الفتنة المعارضة للثورة من خلال المشاركة الواسعة للشعب في 9 شهر دي عام 1388 و والحضور الواسع للشعب الثوري في إدانة عمل الحكومة الأمريكية غير العقلانية في استشهادي اللواء سليماني وأبو مهدي المهندس عام 1398 وأحداث أخرى.
ان الثورة الإسلامية وبسبب أصالتها وشمول طموحاتها وقيمها، تعرضت إلى عداء الأنظمة السلطوية العالمية أكثر مما سواها من ثورات، واستطاعت وبقيادة ذكية ومشاركة شعبية ان تستمر وتحبط المؤامرات، وتجتازها وتفتح الطريق للتطور والرقي بالبلاد، وكذلك ان تكون أسوة للأحرار في كل أنحاء العالم. إنما الثورة الإسلامية طورت مكانة بلادنا من بلد تابع و متخلف إلى دولة مستقلة و قوية على المستوى الإقليمي والعالمي، وكذلك قوة رائدة في مجال العلم والتقنية.