هل أيّد الشيخ فضل الله نوري الاستبداد؟
موقع وثائق الثورة الإسلامية، من التهم التي تلفت انتباه القارئ خلال تأريخ الدستورية أكثر مما سواها ، هي التأكيد على توجه تهمة نزعة الشيخ فضل الله نوري للاستبداد و تعاونه مع محمد علي شاه و بالتالي المشاركة في أعماله السلطوية التي قام بها محمد علي شاه، يقول ما شاء الله اجوداني في هذا المجال: ان الشيخ فضل الله نوري و بسبب تعاونه مع استبداد محمد علي شاه وتشجيعه الشاه و دعمه له في ارتكاب مجزرة بحق أهالي تبريز وتحريضه على القضاء على المطالبين بالدستور، أقول انه مجرم سياسي.
ان كتاب و شخصيات مثل جون فوران ، و بيتر أويري ، و إدوارد براون ، و إدوارد جراي ، و غيرهم من الكتاب الذين بدئوا بشكل أو بآخر في تجميع الأحداث التاريخية في مجال تاريخ الدستورية سعياً وراء السياسات الاستعمارية وتحقيقاً لها، لم يتردد في توجيه مثل هذا الاتهام إلى الشيخ فضل الله و يذهبون إلى ان الشيخ قام بتأييد محمد شاه و ان الشيخ و محمد علي شاه تآمرا على الدستوريين. قضية لم يدافع عنها حتى من قبل المدافعين عن الشيخ ، و من المثير للاهتمام أن قبح هذا الافتراء كان كبيراً لدرجة أن المجموعة المذكورة لم تسمح بفكرة الدخول في نقاش حولها و تقديم تفسير مناسب و نتج عن هذا الحذر انه بعد مرور فترة ظهرت فكرة بأنه يجب مدح الشيخ بسمات خاصة و في نفس الوقت اعتبروا ان هذه التهمة تصنف من الأخطاء التاريخية للشيخ حتى عند الدفاع عنه.
القضية المثيرة للاهتمام في تهمة التعاون مع الاستبداد ضد الشيخ الشهيد ظهرت بالأساس في ظل تجاهل تعاونه السابق مع علماء مطالبين بالدستورية في إنكار ونبذ الاستبداد والتركيز بشكل أساسي على نهاية حياته وعهد محمد علي شاه. هذا و ان الشيخ في لقاءه بآية الله طباطبائي وبهبهاني بعدما قاما بدعوته لتأييدهم في تأسيس العدلية ، فانه لبى دعوتهما، و بالرغم من انه كما يقول يحظى بدعم و لطف الحكومة لكنه غض الطرف عن هذا الأمر، ان الشيخ يروي هذا اللقاء و الحديث عن هذه القضية على النحو التالي: إني سمعت كلامكما و عرفت القصد، لكنكم تعرفون بان الحاكم يولي بي اهتماماً خاصاً، وبالرغم من غروره وتهوره لا يقوم بأي عمل دون إذني لكنني لم ترككم وحيداً ولا أقوم بفضح نفسي ولا اقبل إهانة الدين، متى ما أردتم اقطع علاقاتي به، وأقدم لكم دعمي. ان أرى بأننا متشاركون في الحسن والسيئ، لن أترككم لكن أقول بأنه عليكم ان لا تتخذوا التشدد سبيلاً حتى يتم توجيه الإهانة للشرع والعلماء.
ان كسروي وهو من ألد معارضين الشيخ والمطالبين بالمشروعة يروي التطورات التي حدثت بعد ذلك الاجتماع على النحو التالي: ان حراس بهبهاني و طباطبائي وصدر العلماء وآخرون خرجوا من المدينة وقصد ابن بابويه القريب من عبد العظيم وانضم إليهم الآخرون، ان كل العلماء والطلبة وآخرون كانوا قد رافقوا السيدين في المسجد وانضموا إليهم عبر الحصان أو أي وسيلة أخرى و قيل بان هناك أشخاص حضروا هناك مشياً على الأقدام وقضوا يوماً في ابن بايويه وساروا ليلاً، ان الحاج الشيخ فضل الله، تأخر و كان قد عزم على السفر وتوجه بعد يومين برفقة أقاربه وانضم إليهم كهزيرك وكان عين الدولة يريد ان يمنعهم ولم يتمكن من هذا، ان الشيخ و منذ ان وعد طباطبائي وبهبهاني بأنه يقوم بدعمها، قد أنهى علاقاته بالحكومة وعلى هذا لم يرد على رسالتهم لكن سماحة الحاج الشيخ فضل الله نوري إذ يقيم في المسجد وكان قد قطع علاقاته بالحكومة ولم يرد على رسائل سمو الملك وقال بأنه عليهم ان يأتوا حتى يريد عليهم الشيخ بعنف.
كان يرى عين الدولة الذي وصل إلى الحكم بعد عزل أمين السلطان أن: الشخص الذي يرهب أمين السلطان الحكومة واستقال خوفاً منه هو الشيخ فضل الله. عندما توترت كل علاقات الشيخ (في بداية الدستور) مع عين الدولة القوي والعنيف ، وبعث عين الدولة برسالة إلى الشيخ والعلماء المحتجين في مسجد جمعة طهران بأنه لو لم تتفرقوا فالجأ إلى العنف، قال الشيخ إلى مبعوثه: "كيف يجرؤ إنسان ما زالت حياته وموته تحت قلمنا على أن ينطق بمثل هذه العبارات ؟! أخبره أننا لسنا خائفين منك و سوف نحدد مصيرك قريباً و هكذا فعل. على حد قول ملك زاده: الحاج الشيخ فضل الله ، رغم عرقلة عين الدولة ، أخذ زمام المبادرة مع قادة الحركة و سلك طريق الهجرة. استغل الشيخ نفوذه بين مراجع تقليد العراق (مثل آخوند خراساني) و جعلهم ينزلون إلى ساحة النضال ضد النظام المستبد.
ان معارضي الشيخ فضل الله نوري ، و كذلك من وجهوا له سهام النقد ، يتجاهلون روحه المعادية للسلطوية والاستبداد، التي جعلته يسير في جبهة المعارضين للاستبداد ويتوجه إلى قم ، كما جعلته مرة أخرى وبسبب تنقل طبيعة الاستبداد الواضحة من النظام الملكي المطلق نحو استبداد سياسي حديث من منظار الشيخ فوقف إلى جانب المعارضين للدستورية و تم توجيه تهمة التعاون مع الاستبداد للشيخ، وهذا بينما كان يحظى التيار المطالب بالمشروعة في حياته السياسية في حالات قليلة بدعم الاستبداد ، أو على الأقل كانوا يتبنون فكرة التحالف مع الاستبداد ، حيث كان البرلمان قادرا على إجبار المطالبين بالحرية على شراء الأسلحة والأسلحة الحربية أو يطالب يريد حشد القوات من المدن الأخرى على أي حال. استطاع خلع محمد علي ميرزا من العرش باسم خرق اليمين ، وبعمل شجاع ، أحبط خططه. مثلما فعلت جمعية تبريز العمل نفسه بعد بضعة أيام وقيدت يد محمد علي ميرزا ، كان ظل السلطان يعيش في طهران في ذلك الوقت و يتوق إلى العرش ويبذل بعض الجهود السرية في هذا الطريق (حيث شجع صحيفة تمدن أن يكتب خطاباً عن نفسه) استطاع المجلس أن يحوله إلى شريك ويبرزه أمام محمد علي ميرزا وبالتالي ربط يديه وقدميه لكنه لم تنجح أي من هذه الطرق وسلم الأمور إلى مصيرها والى الأقدار و كما قال احدهم أنهم أرادوا العمل من خلال إبراز وجههم المظلوم ولم يروا حاجة لتعبئة القوات، و هذه القضية كانت فكرة بسيطة تبناها بعض الرواد.
كما نرى ، فإن الدستورية المناهضة للسلطوية والاستبداد لا تعتبر التعاون مع الاستبداد معيبا من أجل تحقيق هدفها ، كما فعلت هذا الأمر من قبل. ففي تبريز ، على سبيل المثال ، أرسل محمد علي شاه برقية إلى والده لدعم انتقال العلماء إلى قم ، وكذلك الاعتصام في السفارة البريطانية ، وفي برقيات أخرى دعم العلماء ، على الرغم من أن إعلان الدعم هذا كان ليس في الواقع دعما للدستورية بهدف تصفية الحسابات مع عين الدولة الذي كان يعارض حكمه كملك بعد مظفر الدين شاه ، ولكن لم يقم الدستوريون بإدانته قط. والسؤال الأساسي في هذا الصدد هو أنه إذا كان ما يقال عن تعاون الشيخ مع الاستبداد كنوع من اتهام هو في الحقيقة اتهام ليس إلا ، فلماذا لم يبتعد الدستوريون عنه ولم يظهروا اشمئزازهم في الفرص المناسبة التي أتيحت لهم؟
عند الاهتمام بفكر الشيخ السياسي وعمله ، يمكن القول بأن الشيخ بذل قصارى جهده في هذا الوقت لمنع تولي الدستورية الغربية الأمور و الوصول إلى السلطة ، وبذل قصارى جهده لمنع حدوث موقف يجعل مصير ومستقبل الإسلام والمجتمع الإسلامي في حالة من الغموض. لذلك فإن دعمه للوضع والنظام السياسي السائد لا يعني دعم الاستبداد والدفاع عن الاستبداد الذي تجلى في محمد علي شاه ، بل دعم نظام حمى في الواقع حدود الإسلام والأحكام الإسلامية تحت إشراف العلماء و على الأقل في هذا الجانب ، لم تصدر منه أي مخالفة. وبعبارة أخرى ، وبالنظر إلى عقيدة الشيخ الذي كان يقول: هؤلاء الناس الذين يريدون الشاه يعرفون إنما علم الإسلام بأيديه.
يمكن الاستنتاج أن دعم الشيخ والمطالبين بالمشروعة للشاه كان مفيدا ، و لأنهم رأوه في الصفوف الأمامية ضد الدستورية الغربية (بغض النظر عن الاختلافات في النوايا و الأهداف) ، فقد سعوا لتحقيق شعار واحد معه و إنما الشاهد على هذا الادعاء هو عندما شعروا أنه عاد إلى الدستور خوفا من الوضع (بعد اجتماع أقيم في باغ شاه و الإصرار على النضال وقمع الدستورية ) ، و قد مال إلى الدستورية مرة أخرى، ذهبوا إليه لإنهاء لإنهاء الأمور و قالوا له في كتاب لما كان هذا الكتاب يأتي لأداء الواجب الشرعي فلا نطلب من صاحب الشرع إذن الرجوع و نعرف بان سماحته يريد حفظ الإسلام من الاضطرابات و المشاكل في هذه المرحلة ونقسمه بجميع معظمات الشرع بان كلنا في هذه المملكة نرفض إقامة مجلس الشورى العام، و نرى بان نتيجته ليست سوى هدم الدين و الفوضى و هدر الدماء المحترمة و انتهاك المحرمات الإسلامية.
لكن لو لم تكن نظرة الشيخ إلى محمد علي شاه سوى نظرة آلية لمواجهة الدستورية الغربية و الحفاظ على الإسلام في ظل اللجوء إلى قوته، فلم يكن يتصور الشيخ فكرة المقاومة المسلحة كما تحدثت بعض التقارير عن هذا الأمر في ظل زيادة فرص تسليم محمد علي شاه نفسه للمعارضة فالراحل الشيخ نوري و من دون شك كان يعرف بان المقاومة المسلحة في حال فشل محمد علي شاه كانت تحمل في طياتها نتيجة كارثية، لكنه و بالتحديد بسبب شدة التزامه بعقائده و تفضيل المشروعة على المشروطة كان مستعداً بأنه من خلال اللجوء إلى المقاومة الشديدة ان يؤخذ إلى منصة الإعدام.
النهاية