الجهاد الثقافي للحوزة العلمية في قم في فترة زعامة آية الله الحائري
موقع مركز وثائق الثورة الإسلامية-ان الحوزة العلمية في قم ومنذ بداية تأسيسها، ركزت كل اهتمامها على إحداث تغييرات جوهرية في المجتمع الإيراني المسلم، ونجحت في بلوغ مراميها، ومن أهم القضايا لعلماء الدين هي إحداث التطورات الثقافية على مستوى البلاد، وفي هذا المجال كان لابد لهم من مقارعة النظام السائد. في فترة الحكم البهلوي أبدى زعماء الحوزة العلمية في قم في المجال الثقافي ردود أفعال مهمة، ونجحوا في الكثير من الأحيان في تغيير أعمال النظام البهلوي، وأحيانا حالوا دون تحقيق التحديات الثقافية من خلال النضال والمقاومة.
في فترة الزعماء الأوائل للحوزة ومن خلال الهدف الجوهري لهم ألا وهو الحفاظ على كيان الحوزة، لم يواجهوا النظام السائد وفي بعض الأحيان كان لابد من تبني التسامح في مواجهة النظام الحاكم. وهذه الحوزة وبعد ترسيخ مكانتها استطاعت القضاء على النظام الملكي.
آية الله الحائرة والجهاد الثقافي مع نظام رضا خان
من سمات الحوزة العلمية في فترة آية الله الحائري هي حداثتها إذ ركز على إحياءها وتطويرها، وان كل التطورات التي شهدتها الحوزة في تلك الفترة كانت بمثابة اختبار لاستقلال المجتمع الديني الإيراني فكريا، استقلال برز في كل جوانب الحياة من الثقافية والاقتصادية والسياسية، وأخيرا بلغت الحوزة العلمية في قم قمة ازدهارها، ومن أهم الأعمال التي قام بها آية الله الحائري في مجال الجهاد الثقافي يمكن الإشارة إلى:
1- تأسيس كلية المعقول والمنقول
قرر رضا شاه عند تأسيس جامعة طهران بتقليد من الجامعات الأوروبية، ان يطلق اسم العلوم المعقولة والمنقولة على إحدى كليات جامعة طهران. وعلى هذا غير اسم مدرسة سبهسالار العالية وهي من مدارس العلوم القديمة إلى اسم كلية المعقول والمنقول والمعارف الإسلامية والأدب العربي، وذلك بعام 1313. ان الهدف من تأسيس هذه الكلية هي تأسيس مؤسسة مماثلة لإعداد علماء الدين يخضعون للحكومة، ويتم الإشراف على أعمال الكلية. بعد تأسيس الكلية وبداية تربية علماء الدين على يد الأساتذة، كانت المشكلة الجوهرية هي أسلوب مواجهة علماء الدين. ان العدد الكبير لعلماء الدين وقوة علاقتهم بالبعض، وعلاقتهم القوية بالناس، كانت محط اهتمام الحكومة. وصلت الحكومة في تفسيرها النهائي إلى نتيجة بأنه إلى جانب إرغام علماء الدين بالتعرف على العلم الجديد وجعلهم تابعين للحكومة، يمكن تغيير أفكارهم. هذا الأمر كان سببا في تأسيس مؤسسة جديدة أخرى باسم مؤسسة الوعظ والخطابة، في الحقيقة فان القائمين على هذه الأمر استنتجوا بأنه فضلا عن الإشراف على علماء الدين، يجب بذل المساعي في تغيير أفكارهم من خلال دورات ثقافية قصيرة الأمد، ولا يمكن انجاز هذا العمل إلا من خلال تأسيس مؤسسة الوعظ والخطابة.
أعلنت الحكومة بان السبب في تأسيس المؤسسة هو ان الوعاظ ليس بحوزتهم الكثير من المعلومات، ويقومون بتضليل الناس بدلا من إرشادهم، وهكذا بدأت أنشطتها رسميا. غير ان المؤسسة أخفقت في نوال مراميها، وبعد عامين أغلقت أبوابها. هناك عدة أمور كانت السبب وراء إخفاقها وهي عدم ترحيب علماء الدين في الحوزة بهذا المشروع وعدم مشاركتهم في صفوفها، ووفقا للوثائق المتوفرة كانت الحوزة قد ركزت في بداية عملها على استقطاب اكبر قدر من علماء الدين لكن العدد كان قليلا رغم كل محاولاتها. فتم الإعلان عن حلها.
2- توحيد الأزياء وكشف الحجاب
قضية كشف الحجاب وتوحيد الأزياء قد شكلت ذروة التوتر الثقافي بين الحكومة والحوزة في عهد آية الله الحائري. بحيث في هذه الحادثة لم يحترموا الحاج وعاملوه بعنف، القضية المهمة هي انه بالرغم من أخلاق الشيخ السمحة، إلا انه وقف بوجه سياسات رضا شاه، فظهرت موجة من التوترات بين الحكومة وآية الله الحائري حول كشف الحجاب وتحديد الأزياء وتغيير أزياء علماء الدين.
المادة الثانية من القانون كانت حول من يتم استثنائهم من هذا القانون. وتناولت المادة الثالثة عقوبات المخالفين واستندت المادة الرابعة إلى تطبيق هذا القانون منذ بداية عام 1308 في المدن وحتى نهاية العام خارج المدن. وكانت الفئات الثمانية المستثناة من توحيد الأزياء في المادة الثانية من هذا القانون على النحو التالي: المراجع التقليد-فقهاء أهل السنة-مدرسي الفقه والأصول والحكمة الإلهية-علماء دين إيرانيين من غير المسلمين.
بعد هذا القانون ، دخل الشاه مع زوجته وابنته إلى المجلس ، وهناك أزال الشادور من على رؤوسهما ، وبذلك أعلن رسميًا عن كشف الحجاب. بمرور قانون توحيد الأزياء، اشتدت هيمنة رضا شاه على رجال الدين. حاولت الحكومة تقليص عدد رجال الدين بإصدار "تراخيص العمامة" من خلال الإشراف على المعاهد ورجال الدين.
بموجب القانون ، تم الضغط على الطلاب لتغيير ملابسهم. وعملاء الشاه قاموا بمضايقة طلاب مدرسة الفيضية وخلعوا عمائمهم بحجة لبسهم الزي العسكري. كل صباح ، كان أحد رجال الشرطة يأتي إلى المدرسة ويأخذ الطلاب إلى مركز الشرطة ويطلب منهم توحيد الأزياء.
بعدما أصبحت قضية كشف الحجاب موجهة نحو علماء الدين،تركزت الأنظار على الحوزة العلمية في قم وردة فعل علماء الدين وعلى رأسهم الشيخ عبد الكريم الحائري. رفض التدخل في الأمر بداية لكنه وبعد ضغوط كثيرة أرسل برقية إلى الشاه لكن لم يتلق أي رد، لكن رئيس الوزراء أرسل برقية له كانت مليئة بالتهديد والإهانات، وبعدها جاء رضا خان إلى قم ودخل بيت آية الله الحائري ودون توجيه التحية قال غاضبا: غيروا سلوككم وإلا سأدمر حوزة قم، قامت تركيا بكشف الحجاب ونريد القيام بهذا العمل. كانت نتيجة البرقية التي أرسلها آية الله الحائري هي اعتقال العدد من العلماء ونفيهم. وقال آية الله الحائري: لو لم أرسلها فلم يكن عدد من العلماء يواجهون هذه المشاكل ولم يسرع الشاه من توحيد الأزياء في قم.
بعد أيام تم إطلاق النار على مسجد جوهر شاد ومارست الحكومة ضغطا على الناس، بحيث قال الإمام الخميني قدس سره: لا يمكنني وصف هذه مشاكل تلك الأيام لكم.
ذهب عدد من الطلاب إلى آية الله الحائري واستفسروا حول الأمر فقال: لا تتركوا الساحة، سيذهب الظلم وتبقون انتم، اليوم ولينا هو إمام الزمان عج، وطدوا علاقتكم به. ثم عندما جاء رئيس الشرطة لزيارته قال له لا أريد إراقة الدماء فاني اعرف كيف اجعلهم تستوعبون من يمتلك السلطة. من جهة أخرى طالب سماحته الطلبة باتخاذ الحيطة. كما تبنى سماحته الصبر والحيطة في مواجهة النظام للحفاظ على الحوزة العلمية إذ نقل عن رضا شاه قوله: قضيت على كل العلماء ما عدى الحائرين لو أزلته عن طريقي لكنت قادرا على إزالة الإسلام.
3- الأوقاف
كان رضا شاه وبغية تدشين المدارس الجديدة وتربية المدرسين بحاجة إلى مصدر مالي وتمويل، حتى يمكنه تحقيق أهدافه، وفي هذا المجال لفتت الاستفادة من عوائد الأوقاف انتباه فقرر تنفيذ هذه الخطة بعد موافقة علماء الدين، لهذا أرسل شخصا للتوجه إلى الشيخ والحديث معه حول الأمر. فقال: هناك شخص توفى وترك مالا وأوصى بان القارئ يأخذ شيئا من المال ويتلو القرآن على قبره، لماذا نقوم بنقض وصيته كان المال له وحدد مصيرها، ما الدليل الذي نمتلكه كي نعارض وصيته، فاقتنع الشاه وغض الطرف عن تنفيذ هذا القانون.
الحوزة العلمية في قم التي تأسست بهدف الاهتمام بالأمور الدينية وثم تم إحيائها، استطاعت ومن خلال مبادرات زعماءها ان تقوم بتغييرات عظمية في إيران وكذلك تغيير مسار التطورات السياسية والاجتماعية بشكل آخر. ان نضال علماء الدين في مختلف القضايا الثقافية فتح الطريق الحقيقي للنضال السياسي الحقيقي في مواجهة الحكومة. استطاع علماء الدين وبسبب امتلاكهم السلطة الكبيرة ان يقفوا في مواجهة خطة كشف الحجاب والاستبداد الداخلي ويحولوا دون تحقيق أهداف النظام البهلوي المعارضة للدين، بعد تولي جيل جديد من علماء الدين في الحوزة العلمية في قم بزعامة الإمام الخميني قدس سره، انتقل النضال من الساحة الثقافية إلى الساحة السياسية، والنتيجة تبلورت في تكوين النهضة الإسلامية وتغيير النظام في إيران.